فصل: مَذْهَبُ مَنْ قَالَ بِالتّخْيِيرِ فِي الْغُلَامِ دُونَ الْجَارِيَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.ذِكْرُ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ:

قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ أَبِي مَيْمُونَةَ قَالَ شَهِدْت أَبَا هُرَيْرَةَ خَيّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمّهِ وَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمّه.

.مَذْهَبُ ابْنِ رَاهْوَيْهِ فِي التّخْيِيرِ:

فَهَذَا مَا ظَفِرْتُ بِهِ عَنْ الصّحَابَةِ. وَأَمّا الْأَئِمّةُ فَقَالَ حَرْبُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: سَأَلْت إسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ إلَى مَتَى يَكُونُ الصّبِيّ وَالصّبِيّةُ مَعَ الْأُمّ إذَا طَلُقَتْ؟ قَالَ أَحَبّ إلَيّ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْأُمّ إلَى سَبْعِ سِنِينَ ثُمّ يُخَيّرُ. قُلْت لَهُ أَتَرَى التّخْيِيرَ؟ قَالَ شَدِيدًا. قُلْت: فَأَقَلّ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ لَا يُخَيّرُ؟ قَالَ قَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ إلَى خَمْسٍ وَأَنَا أَحَبّ إلَيّ سَبْعٌ.

.مَذْهَبُ أَحْمَدَ:

وَأَمّا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَإِمّا أَنْ يَكُونَ الطّفْلُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَإِمّا أَنْ يَكُونَ ابْنَ سَبْعٍ أَوْ دُونَهَا فَإِنْ كَانَ لَهُ دُونَ السّبْعِ فَأُمّهُ أَحَقّ بِحَضَانَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ سَبْعٌ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. إحْدَاهَا- وَهِيَ الصّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ مِنْ مَذْهَبِهِ- أَنّهُ يُخَيّرُ وَهِيَ اخْتِيَارُ أَصْحَابه فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ وَاحِدًا مِنْهُمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ لِمَنْ قَرَعَ وَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا ثُمّ عَادَ فَاخْتَارَ الْآخَرَ نُقِلَ إلَيْهِ وَهَكَذَا أَبَدًا.
وَالثّانِيَةُ أَنّ الْأَبَ أَحَقّ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ.
وَالثّالِثَةُ أَنّ الْأُمّ أَحَقّ بِهِ كَمَا قَبْلَ السّبْعِ. وَأَمّا إذَا كَانَ أُنْثَى فَإِنْ كَانَ لَهَا دُونَ سَبْعِ سِنِينَ فَأُمّهَا أَحَقّ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَإِنْ بَلَغَتْ سَبْعًا فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنّ الْأُمّ أَحَقّ بِهَا إلَى تِسْعِ سِنِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ تِسْعًا فَالْأَبُ أَحَقّ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ أَنّ الْأُمّ أَحَقّ بِهَا حَتّى تَبْلُغَ وَلَوْ تَزَوّجَتْ الْأُمّ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ خَامِسَةٌ أَنّهَا تُخَيّرُ بَعْدَ السّبْعِ كَالْغُلَامِ نَصّ عَلَيْهَا وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ إنّمَا حَكَوْا ذَلِكَ.

.مَذْهَبُ الشّافِعِيّ:

وَقَالَ الشّافِعِيّ: الْأُمّ أَحَقّ بِالطّفْلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إلَى أَنْ يَبْلُغَا سَبْعَ سِنِينَ فَإِذَا بَلَغَا سَبْعًا وَهُمَا يَعْقِلَانِ عَقْلَ مِثْلِهِمَا خُيّرَ كُلّ مِنْهُمَا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمّهِ وَكَانَ مَعَ مَنْ اخْتَارَ.

.مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ:

وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا تَخْيِيرَ بِحَالِ ثُمّ اخْتَلَفَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأُمّ أَحَقّ بِالْجَارِيَةِ حَتّى تَبْلُغَ وَبِالْغُلَامِ حَتّى يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ ثُمّ يَكُونَانِ عِنْدَ الْأَبِ وَمَنْ سِوَى الْأَبَوَيْنِ أَحَقّ بِهِمَا حَتّى يَسْتَغْنِيَا وَلَا يُعْتَبَرُ الْبُلُوغُ وَقَالَ مَالِكٌ الْأُمّ أَحَقّ بِالْوَلَدِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حَثَى يُثْغِرَ هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: حَتّى يَبْلُغَ وَلَا يُخَيّرُ بِحَالٍ.

.مَذْهَبُ اللّيْثِ:

وَقَالَ اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: الْأُمّ أَحَقّ بِالِابْنِ حَتّى يَبْلُغَ ثَمَانَ سِنِينَ وَبِالْبِنْتِ حَتّى تَبْلُغَ ثُمّ الْأَبُ أَحَقّ بِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ.

.مَذْهَبُ الْحَسَنِ بْنِ حَيّ:

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيّ الْأُمّ أَوْلَى بِالْبِنْتِ حَتّى يَكْعُبَ ثَدْيَاهَا وَبِالْغُلَامِ حَتّى يَيْفَعَ فَيُخَيّرَانِ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَ أَبَوَيْهِمَا الذّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ.

.مَذْهَبُ مَنْ قَالَ بِالتّخْيِيرِ فِي الْغُلَامِ دُونَ الْجَارِيَةِ:

قَالَ الْمُخَيّرُونَ فِي الْغُلَامِ دُونَ الْجَارِيَةِ قَدْ ثَبَتَ التّخْيِيرُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْغُلَامِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة: وَثَبَتَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرّاشِدِينَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصّحَابَةِ أَلْبَتّةَ وَلَا أَنْكَرَهُ مُنْكِرٌ. قَالُوا: وَهَذَا غَايَةٌ فِي الْعَدْلِ الْمُمْكِنِ فَإِنّ الْأُمّ إنّمَا قُدّمَتْ فِي حَالِ الصّغَرِ لِحَاجَةِ الْوَلَدِ إلَى التّرْبِيَةِ وَالْحَمْلِ وَالرّضَاعِ وَالْمُدَارَاةِ الّتِي لَا تَتَهَيّأُ لِغَيْرِ النّسَاءِ وَإِلّا فَالْأُمّ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فَكَيْفَ تُقَدّمُ عَلَيْهِ؟ فَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ حَدّا يُعْرِبُ فِيهِ عَنْ نَفْسِهِ وَيَسْتَغْنِي عَنْ الْحَمْلِ وَالْوَضْعِ وَمَا تُعَانِيهِ النّسَاءُ تَسَاوَى الْأَبَوَانِ وَزَالَ السّبَبُ الْمُوجِبُ لِتَقْدِيمِ الْأُمّ وَالْأَبَوَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِيهِ فَلَا يُقَدّمُ أَحَدُهُمَا إلّا بِمُرَجّحِ وَالْمُرَجّحُ إمّا مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ الْقُرْعَةُ وَإِمّا مِنْ جِهَةِ الْوَلَدِ وَهُوَ اخْتِيَارُهُ وَقَدْ جَاءَتْ السّنّةُ بِهَذَا وَهَذَا وَقَدْ جَمَعَهُمَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فاعتبرناهما جَمِيعًا وَلَمْ نَدْفَعْ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ. يُصَارُ إلَيْهَا إذَا تَسَاوَتْ الْحُقُوقُ مِنْ كُلّ وَجْهٍ وَلَمْ يَبْقَ مُرَجّحٌ سِوَاهَا وَهَكَذَا فَعَلْنَا هَاهُنَا قَدّمْنَا أَحَدَهُمَا بِالِاخْتِيَارِ فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أَوْ اخْتَارَهُمَا جَمِيعًا عَدَلْنَا إلَى الْقُرْعَةِ فَهَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُوَافَقَةُ السّنّةِ لَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ الْأَحْكَامِ وَأَعْدَلِهَا وَأَقْطَعِهَا لِلنّزَاعِ بِتَرَاضِي الْمُتَنَازِعَيْنِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَالشّافِعِيّ أَنّهُ إذَا لَمْ يَخْتَرْ وَاحِدًا مِنْهُمَا كَانَ عِنْدَ الْأُمّ بِلَا قُرْعَةٍ لِأَنّ الْحَضَانَةَ كَانَتْ لَهَا وَإِنّمَا نَنْقُلُهُ عَنْهَا بِاخْتِيَارِهِ فَإِذَا لَمْ يَخْتَرْ بَقِيَ عِنْدَهَا عَلَى مَا كَانَ. فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَدّمْتُمْ التّخْيِيرَ عَلَى الْقُرْعَةِ وَالْحَدِيثُ فِيهِ تَقْدِيمُ الْقُرْعَةِ أَوّلًا ثُمّ التّخْيِيرُ وَهَذَا أَوْلَى لِأَنّ الْقُرْعَةَ طَرِيقٌ شَرْعِيّ لِلتّقْدِيمِ عِنْدَ تَسَاوِي الْمُسْتَحِقّينَ وَقَدْ تَسَاوَى الْأَبَوَانِ فَالْقِيَاسُ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا بِالْقُرْعَةِ فَإِنْ أَبَيَا الْقُرْعَةَ لَمْ يَبْقَ إلّا اخْتِيَارُ الصّبِيّ فَيُرَجّحُ بِهِ فَمَا بَالُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَالشّافِعِيّ قَدّمُوا التّخْيِيرَ عَلَى الْقُرْعَةِ. قِيلَ إنّمَا قُدّمَ التّخْيِيرُ لِاتّفَاقِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ وَعَمَلِ الْخُلَفَاءِ الرّاشِدِينَ بِهِ وَأَمّا الْقُرْعَةُ فَبَعْضُ الرّوَاةِ ذَكَرَهَا فِي الْحَدِيثِ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَذْكُرْهَا وَإِنّمَا كَانَتْ فِي بَعْضِ طُرُقِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَحْدَهُ فَقُدّمَ التّخْيِيرُ عَلَيْهَا فَإِذَا تَعَذّرَ الْقَضَاءُ بِالتّخْيِيرِ تَعَيّنَتْ الْقُرْعَةُ طَرِيقًا لِلتّرْجِيحِ إذْ لَمْ يَبْقَ سِوَاهَا.

.رَدّ الْمُخَيّرِينَ عَلَى مَنْ اقْتَصَرَ بِالتّخْيِيرِ عَلَى الْغُلَامِ:

ثُمّ قَالَ الْمُخَيّرُونَ لِلْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ رَوَى النّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ تَنَازَعَ هُوَ وَأُمّ فِي ابْنَتِهِمَا وَأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَقْعَدَهُ نَاحِيَةً وَأَقْعَدَ الْمَرْأَةَ نَاحِيَةً وَأَقْعَدَ الصّبِيّةَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ اُدْعُوَاهَا فَمَالَتْ إلَى أُمّهَا فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ اهْدِهَا فَمَالَتْ إلَى أَبِيهَا فَأَخَذَهَا قَالُوا: وَلَوْ لَمْ يَرِدْ هَذَا الْحَدِيثُ لَكَانَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ وَفِي قَوْلِهِ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ بَلْ حَدِيثُ الْحَضَانَةِ أَوْلَى بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الذّكُورِيّةِ فِيهِ لِأَنّ لَفْظَ الصّبِيّ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الشّارِعِ إنّمَا الصّحَابِيّ حَكَى الْقِصّةَ وَأَنّهَا كَانَتْ فِي صَبِيّ فَإِذَا نُقّحَ الْمَنَاطُ تَبَيّنَ أَنّهُ لَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهِ ذَكَرًا.

.رَدّ الْحَنَابِلَةِ عَلَى مَنْ أَجَازَ التّخْيِيرَ لِلذّكَرِ وَالْأُنْثَى:

قَالَتْ الْحَنَابِلَةُ: الْكَلَامُ مَعَكُمْ فِي مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا: اسْتِدْلَالُكُمْ بِحَدِيثِ رَافِعٍ وَالثّانِي: إلْغَاؤُكُمْ وَصْفَ الذّكُورِيّةِ فِي أَحَادِيثِ التّخْيِيرِ. فَأَمّا الْأَوّلُ فَالْحَدِيثُ قَدْ ضَعّفَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَضَعّفَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَالثّوْرِيّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ جَعْفَرٍ وَأَيْضًا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنّ الْمُخَيّرَ كَانَ بِنْتًا وَرُوِيَ أَنّهُ كَانَ ابْنًا. فَقَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتّيّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ أَنّ أَبَوَيْهِ اخْتَصَمَا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ كَافِرٌ فَتَوَجّهَ إلَى الْكَافِرِ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ اهْدِهِ فَتَوَجّهَ إلَى الْمُسْلِمِ فَقَضَى لَهُ بِهِ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيّ: وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنّهُ كَانَ غُلَامًا أَصَحّ. قَالُوا: وَلَوْ سَلِمَ لَكُمْ أَنّهُ كَانَ أُنْثَى فَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ فَإِنّ فِيهِ أَنّ أَحَدَهُمَا كَانَ مُسْلِمًا وَالْآخَرَ كَافِرًا فَكَيْفَ تَحْتَجّونَ بِمَا لَا تَقُولُونَ بِهِ. قَالُوا: وَأَيْضًا كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَفِي الْحَدِيثِ أَنّ الطّفْلَ كَانَ فَطِيمًا وَهَذَا قَطْعًا دُونَ السّبْعِ وَالظّاهِرُ أَنّهُ دُونَ الْخَمْسِ وَأَنْتُمْ لَا تُخَيّرُونَ مَنْ لَهُ دُونَ السّبْعِ فَظَهَرَ أَنّهُ لَا يُمْكِنُكُمْ الِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ رَافِعٍ هَذَا عَلَى كُلّ تَقْدِيرٍ. فَبَقِيَ الْمَقَامُ الثّانِي وَهُوَ إلْغَاءُ وَصْفِ الذّكُورَةِ فِي أَحَادِيثِ التّخْيِيرِ وَغَيْرِهَا فَنَقُولُ لَا رَيْبَ أَنّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يَكْفِي فِيهَا وَصْفُ الذّكُورَةِ أَوْ وَصْفُ الْأُنُوثَةِ قَطْعًا وَمِنْهَا مَا لَا يَكْفِي فِيهِ بَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ إمّا هَذَا وَإِمّا هَذَا فَيُلْغَى الْوَصْفُ فِي كُلّ حُكْمٍ تَعَلّقَ بِالنّوْعِ الْإِنْسَانِيّ الْمُشْتَرِكِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَيُعْتَبَرُ وَصْفُ الذّكُورَةِ فِي كُلّ مَوْضِعٍ كَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِيهِ كَالشّهَادَةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْوِلَايَةِ فِي النّكَاحِ وَيُعْتَبَرُ وَصْفُ الْأُنُوثَةِ فِي كُلّ مَوْضِعٍ يَخْتَصّ بِالْإِنَاثِ أَوْ يُقَدّمْنَ فِيهِ عَلَى الذّكُورِ كَالْحَضَانَةِ إذَا اسْتَوَى فِي الدّرَجَةِ الذّكَرُ وَالْأُنْثَى قُدّمَتْ الْأُنْثَى. بَقِيَ النّظَرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ شَأْنِ التّخْيِيرِ هَلْ لِوَصْفِ الذّكُورَةِ تَأْثِيرٌ فِي ذَلِكَ فَيُلْحَقُ بِالْقِسْمِ الّذِي تُعْتَبَرُ فِيهِ أَوْ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فَيُلْحَقُ بِالْقِسْمِ الّذِي يُلْغَى فِيهِ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى جَعْلِهَا مِنْ الْقِسْمِ الْمُلْغَى فِيهِ وَصْفُ الذّكُورَةِ لِأَنّ التّخْيِيرَ هَاهُنَا تَخْيِيرُ شَهْوَةٍ لَا تَخْيِيرُ رَأْيٍ وَمَصْلَحَةٍ وَلِهَذَا إذَا اخْتَارَ غَيْرَ مَنْ اخْتَارَهُ أَوّلًا نُقِلَ إلَيْهِ فَلَوْ خُيّرَتْ الْبِنْتُ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَ الْأَبِ تَارَةً وَعِنْدَ الْأُمّ أُخْرَى فَإِنّهَا كُلّمَا شَاءَتْ الِانْتِقَالَ أُجِيبَتْ إلَيْهِ وَذَلِكَ عَكْسُ مَا شُرِعَ لِلْإِنَاثِ مِنْ لُزُومِ الْبُيُوتِ وَعَدَمِ الْبُرُوزِ وَلُزُومِ الْخُدُورِ وَرَاءَ الْأَسْتَارِ فَلَا يَلِيقُ بِهَا أَنْ تُمَكّنَ مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ هَذَا الْوَصْفُ مُعْتَبَرًا قَدْ شَهِدَ لَهُ الشّرْعُ بِالِاعْتِبَارِ لَمْ يُمْكِنْ إلْغَاؤُهُ. قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى أَلّا يَبْقَى الْأَبُ مُوَكّلًا بِحِفْظِهَا وَلَا الْأُمّ لِتَنَقّلِهَا بَيْنَهُمَا وَقَدْ عُرِفَ بِالْعَادَةِ أَنّ مَا يَتَنَاوَبُ النّاسُ عَلَى حِفْظِهِ وَيَتَوَاكَلُونَ فِيهِ فَهُوَ آيِلٌ إلَى ضَيَاعٍ وَمِنْ الْأَمْثَالِ السّائِرَةِ لَا يَصْلُحُ الْقِدْرُ بَيْنَ طَبّاخَيْنِ. قَالُوا: وَأَيْضًا فَالْعَادَةُ شَاهِدَةٌ بِأَنّ اخْتِيَارَ أَحَدِهِمَا يُضْعِفُ رَغْبَةَ الْآخَرِ فِيهِ فَإِنْ قُلْتُمْ فَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الصّبِيّ وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ تَخْيِيرَهُ. قُلْنَا: صَدَقْتُمْ لَكِنْ عَارَضَهُ كَوْنُ الْقُلُوبِ مَجْبُولَةً عَلَى حُبّ الْبَنِينَ وَاخْتِيَارِهِمْ عَلَى الْبَنَاتِ فَإِذَا اجْتَمَعَ نَقْصُ الرّغْبَةِ وَنَقْصُ الْأُنُوثَةِ وَكَرَاهَةُ الْبَنَاتِ فِي الْغَالِبِ ضَاعَتْ الطّفْلَةُ وَصَارَتْ إلَى فَسَادٍ يَعْسُرُ تَلَافِيهِ وَالْوَاقِعُ شَاهِدٌ بِهَذَا وَالْفِقْهُ تَنْزِيلُ الْمَشْرُوعِ عَلَى الْوَاقِعِ وَسِرّ الْفَرْقِ أَنّ الْبِنْتَ تَحْتَاجُ مِنْ الْحِفْظِ وَالصّيَانَةِ فَوْقَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الصّبِيّ وَلِهَذَا شُرِعَ فِي حَقّ الْإِنَاثِ مِنْ السّتْرِ وَالْخَفَرِ مَا لَمْ يُشْرَعْ مِثْلُهُ لِلذّكُورِ فِي اللّبَاسِ وَإِرْخَاءِ الذّيْلِ شِبْرًا أَوْ أَكْثَرَ وَجَمْعِ نَفْسِهَا فِي الرّكُوعِ وَالسّجُودِ دُونَ التّجَافِي وَلَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَا تَرْمُلُ فِي الطّوَافِ وَلَا تَتَجَرّدُ فِي الْإِحْرَامِ عَنْ الْمِخْيَطِ وَلَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا وَلَا تُسَافِرُ وَحْدَهَا هَذَا كُلّهُ مَعَ كِبَرِهَا وَمَعْرِفَتِهَا فَكَيْفَ إذَا كَانَتْ فِي سِنّ الصّغَرِ وَضَعْفِ الْعَقْلِ الّذِي يَقْبَلُ فِيهِ الِانْخِدَاعَ؟ وَلَا رَيْبَ أَنّ تَرَدّدَهَا بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ مِمّا يَعُودُ عَلَى الْمَقْصُودِ بِالْإِبْطَالِ أَوْ يُخِلّ بِهِ أَوْ يُنْقِصُهُ لِأَنّهَا لَا تَسْتَقِرّ فِي مَكَانٍ مُعَيّنٍ فَكَانَ الْأَصْلَحُ لَهَا أَنْ تُجْعَلَ عِنْدَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَإِسْحَاقُ فَتَخْيِيرُهَا لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فَيَلْحَقُ بِهِ.

.اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْيِينِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ لِمُقَامِ الْبِنْتِ عِنْدَهُ:

ثُمّ هَاهُنَا حَصَلَ الِاجْتِهَادُ فِي تَعْيِينِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ لِمُقَامِهَا عِنْدَهُ وَأَيّهُمَا أَصْلَحُ لَهَا فَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْهُ عَيّنُوا الْأُمّ وَهُوَ الصّحِيحُ دَلِيلًا وَأَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَاخْتِيَارِ عَامّةِ أَصْحَابِهِ عَيّنُوا الْأَبَ. قَالَ مَنْ رَجّحَ الْأُمّ قَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنّ الْأَبَ يَتَصَرّفُ فِي الْمَعَاش وَلِقَاءِ النّاسِ وَالْأُمّ فِي خِدْرِهَا مَقْصُورَةٌ فِي بَيْتِهَا فَالْبِنْتُ عِنْدَهَا أَصْوَنُ وَأَحْفَظُ بِلَا شَكّ وَعَيْنُهَا عَلَيْهَا دَائِمًا بِخِلَافِ الْأَبِ فَإِنّهُ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ غَائِبٌ عَنْ الْبِنْتِ أَوْ فِي مَظِنّةِ ذَلِكَ فَجَعْلُهَا عِنْدَ أُمّهَا أَصْوَنُ لَهَا وَأَحْفَظُ. قَالُوا: وَكُلّ مَفْسَدَةٍ يَعْرِضُ وُجُودُهَا عِنْدَ الْأُمّ فَإِنّهَا تَعْرِضُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا عِنْدَ الْأَبِ فَإِنّهُ إذَا تَرَكَهَا فِي الْبَيْتِ وَحْدَهَا لَمْ يَأْمَنْ عَلَيْهَا وَإِنْ تَرَكَ عِنْدَهَا امْرَأَتَهُ أَوْ غَيْرَهَا فَالْأُمّ أَشْفَقُ عَلَيْهَا وَأَصْوَنُ لَهَا مِنْ الْأَجْنَبِيّةِ. قَالُوا: وَأَيْضًا فَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَى تَعَلّمِ مَا يَصْلُحُ لِلنّسَاءِ مِنْ الْغَزْلِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْبَيْتِ وَهَذَا إنّمَا تَقُومُ بِهِ النّسَاءُ لَا الرّجَالُ فَهِيَ أَحْوَجُ إلَى أُمّهَا لِتُعَلّمَهَا مَا يَصْلُحُ لِلْمَرْأَةِ وَفِي دَفْعِهَا إلَى أَبِيهَا تَعْطِيلُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ وَإِسْلَامُهَا إلَى امْرَأَةٍ أَجْنَبِيّةٍ تُعَلّمُهَا ذَلِكَ وَتَرْدِيدُهَا بَيْنَ الْأُمّ وَبَيْنَهُ وَفِي ذَلِكَ تَمْرِينٌ لَهَا عَلَى الْبُرُوزِ وَالْخُرُوجِ فَمَصْلَحَةُ الْبِنْتِ وَالْأُمّ وَالْأَبِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ أُمّهَا وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الّذِي لَا نَخْتَارُ سِوَاهُ. قَالَ مَنْ رَجّحَ الْأَبَ الرّجَالُ أَغْيَرُ عَلَى الْبَنَاتِ مِنْ النّسَاءِ فَلَا تَسْتَوِي غَيْرَةُ الرّجُلِ عَلَى ابْنَتِهِ وَغَيْرَةُ الْأُمّ أَبَدًا وَكَمْ مِنْ أُمّ تُسَاعِدُ ابْنَتَهَا عَلَى مَا تَهْوَاهُ وَيَحْمِلُهَا عَلَى ذَلِكَ ضَعْفُ عَقْلِهَا وَسُرْعَةُ انْخِدَاعِهَا وَضَعْفُ دَاعِي الْغَيْرَةِ فِي طَبْعِهَا بِخِلَافِ الْأَبِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى وَغَيْرِهِ جَعَلَ الشّارِعُ تَزْوِيجَهَا إلَى أَبِيهَا دُونَ أُمّهَا وَلَمْ يَجْعَلْ لِأُمّهَا وِلَايَةً عَلَى بُضْعِهَا أَلْبَتّةَ وَلَا عَلَى مَالِهَا فَكَانَ مِنْ مَحَاسِنِ الشّرِيعَةِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ أُمّهَا مَا دَامَتْ مُحْتَاجَةً إلَى الْحَضَانَةِ وَالتّرْبِيَةِ فَإِذَا بَلَغَتْ حَدّا تُشْتَهَى فِيهِ وَتَصْلُحُ لِلرّجَالِ فَمِنْ مَحَاسِنِ الشّرِيعَةِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ مَنْ هُوَ أَغْيَرُ عَلَيْهَا وَأَحْرَصُ عَلَى مَصْلَحَتِهَا وَأَصْوَنُ لَهَا مِنْ الْأُمّ. قَالُوا: وَنَحْنُ نَرَى فِي طَبِيعَةِ الْأَبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الرّجَالِ مِنْ الْغَيْرَةِ وَلَوْ مَعَ فِسْقِهِ وَفُجُورِهِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى قَتْلِ ابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَمُوَلّيَتِهِ إذَا رَأَى مِنْهَا مَا يُرِيبُهُ لِشِدّةِ الْغَيْرَةِ وَنَرَى فِي طَبِيعَةِ النّسَاءِ مِنْ الِانْحِلَالِ وَالِانْخِدَاعِ ضِدّ ذَلِكَ قَالُوا: فَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى النّوْعَيْنِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا خَرَجَ عَنْ الْغَالِبِ عَلَى أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ فَلَا بُدّ أَنْ نُرَاعِيَ صِيَانَتَهُ وَحِفْظَهُ لِلطّفْلِ وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللّيْثُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْأُمّ فِي مَوْضِعِ حِرْزٍ وَتَحْصِينٍ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْضِيّةٍ فَلِلْأَبِ أَخْذُ الْبِنْتِ مِنْهَا وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ فِي الرّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ فَإِنّهُ يَعْتَبِرُ قُدْرَتَهُ عَلَى الْحِفْظِ وَالصّيَانَةِ. فَإِنْ كَانَ مُهْمِلًا لِذَلِكَ أَوْ عَاجِزًا عَنْهُ أَوْ غَيْرَ مَرْضِيّ أَوْ ذَا دِيَاثَةٍ وَالْأُمّ بِخِلَافِهِ فَهِيَ أَحَقّ بِالْبِنْتِ بِلَا رَيْبٍ فَمَنْ قَدّمْنَاهُ بِتَخْيِيرِ أَوْ قُرْعَةٍ أَوْ بِنَفْسِهِ فَإِنّمَا نُقَدّمُهُ إذَا حَصَلَتْ بِهِ مَصْلَحَةُ الْوَلَدِ وَلَوْ كَانَتْ الْأُمّ أَصْوَنَ مِنْ الْأَبِ وَأَغْيَرَ مِنْهُ قُدّمَتْ عَلَيْهِ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى قُرْعَةٍ وَلَا اخْتِيَارِ الصّبِيّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنّهُ ضَعِيفُ الْعَقْلِ يُؤْثِرُ الْبَطَالَةَ وَاللّعِبَ فَإِذَا اخْتَارَ مَنْ يُسَاعِدُهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى اخْتِيَارِهِ وَكَانَ عِنْدَ مَنْ هُوَ أَنْفَعُ لَهُ وَأَخْيَرُ وَلَا تَحْتَمِلُ الشّرِيعَةُ غَيْرَ هَذَا وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ قَالَ مُرُوهُمْ بِالصّلَاةِ لِسَبْعِ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرِ وَفَرّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ وَاللّهُ تَعَالَى يَقُولُ {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التّحْرِيمِ 6]. وَقَالَ الْحَسَنُ عَلّمُوهُمْ وَأَدّبُوهُمْ وَفَقّهُوهُمْ فَإِذَا كَانَتْ الْأُمّ تَتْرُكُهُ فِي الْمَكْتَبِ وَتُعَلّمُهُ الْقُرْآنَ وَالصّبِيّ يُؤْثِرُ اللّعِبَ وَمُعَاشَرَةَ أَقْرَانِهِ وَأَبُوهُ يُمَكّنُهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنّهُ أَحَقّ بِهِ بِلَا تَخْيِيرٍ وَلَا قُرْعَةٍ وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ وَمَتَى أَخَلّ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ بِأَمْرِ اللّهِ وَرَسُولِهِ فِي الصّبِيّ وَعَطّلَهُ وَالْآخَرُ مُرَاعٍ لَهُ فَهُوَ أَحَقّ وَأَوْلَى بِهِ. وَسَمِعْت شَيْخَنَا رَحِمَهُ اللّهُ يَقُولُ تَنَازَعَ أَبَوَانِ صَبِيّا عِنْدَ بَعْضِ الْحُكّامِ فَخَيّرَهُ بَيْنَهُمَا فَاخْتَارَ أَبَاهُ فَقَالَتْ لَهُ أُمّهُ سَلْهُ لِأَيّ شَيْءٍ يَخْتَارُ أَبَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ أُمّي تَبْعَثُنِي كُلّ يَوْمٍ لِلْكُتّابِ وَالْفَقِيهُ يَضْرِبُنِي وَأَبِي يَتْرُكُنِي لِلّعِبِ مَعَ الصّبْيَانِ فَقَضَى بِهِ لِلْأُمّ. قَالَ أَنْتِ أَحَقّ بِهِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَإِذَا تَرَكَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ تَعْلِيمَ الصّبِيّ وَأَمْرَهُ الّذِي أَوْجَبَهُ اللّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ عَاصٍ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ بَلْ كُلّ مَنْ لَمْ يَقُمْ بِالْوَاجِبِ وَيُقَامَ مَنْ يَفْعَلُ الْوَاجِبَ وَإِمّا أَنْ يُضَمّ إلَيْهِ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ بِالْوَاجِبِ إذْ الْمَقْصُودُ طَاعَةُ اللّهِ وَرَسُولِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَيْسَ هَذَا الْحَقّ مِنْ جِنْسِ الْمِيرَاثِ الّذِي يَحْصُلُ بِالرّحِمِ وَالنّكَاحِ وَالْوَلَاءِ سَوَاءٌ كَانَ الْوَارِثُ فَاسِقًا أَوْ صَالِحًا بَلْ هَذَا مِنْ جِنْسِ الْوِلَايَةِ الّتِي لَابُدّ فِيهَا مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْعِلْمِ بِهِ وَفِعْلِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. قَالَ فَلَوْ قُدّرَ أَنّ الْأَبَ تَزَوّجَ امْرَأَةً لَا تُرَاعِي مَصْلَحَةَ ابْنَتِهِ وَلَا تَقُومُ بِهَا وَأُمّهَا أَقْوَمُ بِمَصْلَحَتِهَا مِنْ تِلْكَ الضّرّةِ فَالْحَضَانَةُ هُنَا لِلْأُمّ قَطْعًا قَالَ وَمِمّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنّ الشّارِعَ لَيْسَ عَنْهُ نَصّ عَامّ فِي تَقْدِيمِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ مُطْلَقًا وَلَا تَخْيِيرِ الْوَلَدِ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ مُطْلَقًا وَالْعُلَمَاءُ مُتّفِقُونَ عَلَى أَنّهُ لَا يَتَعَيّنُ أَحَدُهُمَا مُطْلَقًا بَلْ لَا يُقَدّمُ ذُو الْعُدْوَانِ وَالتّفْرِيطِ عَلَى الْبَرّ الْعَادِلِ الْمُحْسِنِ وَاللّهُ أَعْلَمُ.